الغيرة عند الله وعند العبد

الـغـيْـرة عـنـد الله وعـنـد الـعـبـد



الـغـيـرة مـنـزلـة شـريـفـة عـظـيـمـة جـلـيـلـة الـمـقـدار

لايـعـرف مـقـدارهـا إلا مـن أبـصـر بـبـصـيـرتـه وفـهـم بـعـقـلـه ووعـى بـقـلـبـه

وفـي الـصـحـيـح

عـن ابـن مـسـعـود رضي الله عـنـه قـال ...

قـال الـنـبـي صـلـى الله عـلـيـه وسـلـم

{ مـا أحـد أغـيَـر مـن الله ، ومـن غـيـْـرتـه حـرّم الـفـواحـش مـا ظـهـر مـنـهـا ومـا بـطـن
ومـا أحـد أحـب إلـيـه الـمـدح مـن الله ومـن أجـل ذلـك أثـنـى عـلـى نـفـسـه ، ومـا أحـد
أحـب إلـيـه الـعـذر مـن الله ، ومـن أجـل ذلـك أرسـل الـمـبـشـريـن والـمـنـذريـن }

وفـي الـصـحـيـح أيـضـا

أن الـنـبـي صـلـى الله عـلـيـه وسـلـم قـال ...

{ أتـعـجـبـون مـن غـيـْـرة سـعـد ؟ لأنـا أغـيـَــر مـنـه ، والله أغـيَــر مِـنـّـي }

وفـي الـصـحـيـح أيـضـا

عـن أبـي هـريـرة رضي الله عـنـه أن الـنـبـي صـلـى الله عـلـيـه وسـلـم قـال ...

{ إن الله يـغـار ، وإن الـمـؤمـن يـغـار ، وغـيـْـرة الله أن يـأتـي الـعـبـد مـا حـرّم الله }

صـحـيـح الـبـخـاري ومـسـلـم

والـغـيـرة ... تـكـون مـن الـشـيء ، وتـكـون عـلـى الـشـيء

فـأمـا الـغـيـرة مـن الـشـيء

فـهـي كـراهـة مـزاحـمـتـه ومـشـاركـتـه لـك فـي الـشـيء

وأمـا الـغـيـرة عـلـى الـشـيء

فـهـي شـدة حـرصـك عـلـى الـمـحـبـوب أن يـفـوز بـه غـيـرك دونـك أو يـشـاركـك فـيـه

والـعـبـد الـمـؤمـن يـغـار مـن نـفـسـه ، ويـغـار مـن غـيـره

فـأمـا غـيـْـرة الـعـبـد مـن نـفـسـه

أن لا يـجـعـل شـيـئـا مـن أعـمـالـه وأقـوالـه وأحـوالـه وأوقـاتـه وأنـفـاسـه لـغـيـر ربّـه جَــلّ فـي عُـلاه

وأمـا غـيـْـرة الـعـبـد مـن غـيـره

أن يـغـضـب لـمـحـارم الله إذا انـتـهـكـهـا الـمـنـتـهـكـون ، ولـحـقـوق الله إذا تـهـاون بـهـا الـمـتـهـاونـون

ولله غـَـيـْـرة عـلـى عـبـده !

أن لا يـجـعـلـه لـلـخـلـق عـبـدًا بـل يـتـخـذه لـنـفـسـه عـبـدًا

فـلا يـجـعـل لـه فـيـه شـركـاء ، بـل يُـفـرده لـنـفـسـه ويَـضـن بـه عـلـى غـيـره

فـمـا أعـظـمـهـا وأجَــلــّـهـا مـن غـيـْــرَة

والـويـل لـمـن تـهـاون فـي غــَـيـْـرة الله عـلـيـه

أمّـا مـن قـال بـالـغـيْـرة عـلـى الله

فـهـو جـاهـل مـن أعـظـم الـجُـهّـال وقـولـه أبـطـل الـبـاطـل وأجـهـل الـجـهـل

لأن الـغـيـرة لا تـكـون إلا لله

بـتـعـظـيـم حـقـوق الله

وتـصـفـيـة أعـمـالـه وأحـوالـه لله ، مـن شـوائـب الـرّيـاء والـنـفـاق والـبـدع

فـالـعـارف بـحـقـيـقـة الـغـيـْـرة يـغـار لله

والـجـاهـل بـحـقـيـقـة الـغـيـْـرة يـغـار عـلـى الله

فـلا يُـقـال أنـا أغـار عـلـى الله ، بـل يُـقـال أنـا أغـار لله

واعـلـم يـا رعـاك الله

أن غـيـرة الـعـبـد مـن نـفـسـه أهـم مـن غـيـرتـه مـن غـيـره

لأنـك إذا غِـرت مـن نـفـسـك صَـحَّـت لـك غـيـرتـك لله مـن غـيـرك

فـإذا لـم تـغِـر مـن نـفـسـك فـالـغـيـرة فـيـهـا مـدخـول وهـي مـعـلـولـة ، ولا شـك

فـتـأمـَّـل هـذا الـكـلام وحـقـق الـنـظـر فـيـه